Friday, September 24, 2021

لعبة الهروب

 اتذكر ذلك الصبي الصغير المليء بالحياة و الطفولة، يعشق اللعب و الحركة ولا يهدأ الا عندما يضع كل من حوله في حيرة شديدة.. يختبيء تحت الطاولة و يضحك في عقله و هو يسمع الآخرين يبحثون عليه ولا يجدونه، يسمعهم يتحدثون عنه و يراهم في قلق و توتر ولا يشعر بذنب أو بمسؤولية ..
و تمر الأعوام و يكبر جسد الطفل، و الان يكرر ذلك المشهد في عالم الكبار، يقترب منهم و يجعل حديثه ووجوده روتينا لطيفا و ثم ينسحب نهائيا بدون عودة أو تردد، بلا ذنب أو مسؤولية .. الفارق هنا هو وجود الرغبة  في معرفة أن كانوا سيبحثون عنه مثلما حدث في عالم الاطفال ام سيتركونه و ينسونه لأن وجوده لم يكن بتلك الأهمية التي اعتقدها.
هل سيلاحظ احد، هل سيفتقده أحد؟..لا يعلم حقاً ولكن مع قليل من التحليل وجد نمطين مختلفين لتفسير تلك الظاهر.. ظاهرة الاختفاء تحت الطاولة.
الاولى، وهي بالمَدرسة الأنانية ..النظرة المُنتقدة و السلبية في تلك القصة و هي عدم ثقة الصبي في نفسه، فهو يقوم بالكثير من المجهود في وجهة نظره لكي يقترب أكثر ممن يحب ، ولكن يقرر الرحيل المفاجيء عندما يشعر بأن وجوده أصبح محل مكتسب بدون التقدير و الامتنان الذي يستحقه.
يذهب و يقرر نسيان الآخرين و لو مؤقتاً،  ، كأنه يفعل هذا للفت النظر و الاهتمام.. و أقف انا هنا انتقده! يا لك من ساذج منذ متى تحتاج لاهتمامهم لكي تكون انت وتتصرف على طبيعتك .. منذ متى تريد امتنان الآخرين حتى أو تنتظر تقديرهم واعجابهم! كيف أصبحت ضعيف هكذا؟!
لماذا تجعلهم يقلقون في غيابك و تجعلهم يعتقدون أنهم خسروك أو أن مكروه قد حدث  بينما أنت هنا تلهو ولا تهتم لمشاعر غيرك..
بينما يقف الشق الآخر يدافع عنه بنظرة مختلفة، أكثر إيجابية و حيادية ويقول إنها ليست انانية، ولا هروب..بل اختلاء لكي يجد نفسه مرة أخرى .. الاختباء يعزز طاقتنا  و البعد يجعلنا قادرين على تقييم العلاقات و يجعل رؤيتنا أوضح و انقى.. انسان حزين لا يستطيع أن يمنح السعادة لآخر.، أحيانا نهرب لنجد أنفسنا و نعيد بناء سعادتنا.. التى بدونها لن نستطيع أن نكون أنفسنا و لا نكون. الحبيب و الاخ و الابن و العامل و الطالب و الفنان .. بدونها سنفقد شغف الحياة و لذة السعادة، سنفقد أنفسنا في الطريق و سنندم على خسارة روحنا من ثم خسارة من حولنا لأننا لم نعطي شخصنا الوقت و الحق الكامل.. انها ليست أنانية بل حب و اهتمام بدونه لن نستطيع أن نعدل أو نحب و نحيى سعداء.. هذا ما قاله نصفي الاخر. و لكن البعد في عالم البالغين  يجب أن يكون بمسؤولية أكبر قليلة. يجب احترام قرارك و يجب ترتيب أولوياتك و يجب أن تتحدى رغبتك في اللعب وعدم السماع لمن حولك عندما ينادون لك في احتياج. يجب أن تخرج من تحت الطاولة في وقت ما لكي تؤدي دور البالغ  المسؤول، و من ثم يمكنك الرجوع الى تحت الطاولة مرة أخرى لكي تكمل البحث عن سعادتك التي أسقطها عندما كنت تأكل و انت سرحان مرتبك تفكر في مشاكل و حلول البالغين .. اجبرتك الحياة و لو للحظات أن ترجع للطفولة و أن تعيد اكتشاف العاب الماضي بشكل بالغ و ناضج قليلا عن ما مضى.. غريبة تلك الحياة، هناك الكثير من الأشياء التي لن تتغير رغم نمونا. 

No comments:

Post a Comment